وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلىالمدينة ولكنهم وجدوا المدينة كالمرجل المتقد؛ إذ كشف المنافقون واليهود والمشركونعما في قلوبهم نحو محمد ودينه وأظهروا السرور والفرح لما لحق بالمسلمين منهزيمة.
فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم أن الموقف يستدعي عملاً سريعًا يخففمن وقع هزيمة أحد، فأعاد تنظيم رجاله على عجل، وتحامل الجريح مع السليم على تكوينجيش جديد يخرج في أعقاب قريش ليطاردهم ويمنع ما قد يجد من تكرار عدوانها، ولإشعارالكفار بأن الهزيمة لم تؤثر في عزيمة المسلمين وأنهم من القوة بحيث خرجوا يطلبونالثأر.
لقد كانت معركة أحد في يوم السبت الخمسة عشر من شوال وكان خروج هذاالجيش في يوم الأحد الستة عشر منه؛ فقد أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيالناس بالخروج في طلب العدو وأذن ألا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس،فخرجوا لم يتخلف منهم أحد حتى بلغوا حمراء الأسد، وهي على بعد ثمانية أميال منالمدينة في طريق مكة، واقتربوا من جيش أبي سفيان.
وكان رجال من قريش يتلاومونيقول بعضهم لبعض: لم تصنعوا شيئًا أصبتم شوكة القوم وحدهم ثم تركتموهم ولمتبتروهم.
فلما علموا بخروج الرسول صلى الله عليه وسلم في أثرهم ظنوا أنه قد حضرمعه من لم يحضر بالأمس لاسيما حين مر بهم معبد الخزاعي وقال لهم: إن محمدًا قد خرجفي أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، فبعد أن كانوا يتلاومون على ترك المسلمينمن غير شن الغارة على المدينة تزلزل تفكيرهم، وفترت همتهم وآثروا أن يبقوا علىنصرهم في أحد واستمروا في سيرهم إلى مكة.
أقام الرسول صلى الله عليه وسلموالمسلمون في حمراء الأسد ثلاثة أيام ثم عادوا إلى المدينة، وقد أثنى الله تعالىعلى ذلك وخلد ذكره فقال تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ مِنبَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْاأَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوالَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَالْوَكِيلُ * فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْسُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَاذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنكُنتُم مُّؤْمِنِينَ} سورة آل عمران الآيات 172-175.