يبدو أن السبب في أننا مجتمع لا يهتم بمسألة التخطيط، هو غياب ثقافة التخطيط عندنا منذ نعومة أظافرنا... بل أظافر كثير من آبائنا وأمهاتنا! خصوصاً أنه لو قامت أية جهة بحثية منّا بعمل بحث بين أفراد المجتمع لسؤالهم عن كلمة تخطيط، أو حتى عن مهمة وزارة التخطيط، لوجدوا أن نسبة العارفين للأجوبة الصحيحة لا تتعدى 1 أو 2 في المئة كحد أقصى! (ولو عرفوا جواب السؤال الثاني، بودي لو يفيدوني فيه جزاهم الله خيراً!).
تقصيرنا في مسألة التخطيط، نراه في كل جوانب حياتنا! فترى على سبيل المثال من لا يعلم إن كان سيسافر خلال عطلة الصيف! وإن علم، فتجده ينتظر حتى قبل السفر بأسبوع أو أقل، ثم يبدأ البحث عن مليون واسطة لعمل حجوزات السفر، بل يتكبد زيادة السعر التي سيدفعها للفنادق بسبب حجزه قبل مدة قصيرة من وصوله للبلد التي سيقضي فيها عطلته! وكثيرون في تلك البلدان ينتهزون فرصة إهمالنا في هذا الجانب، ليستغلونا كما تستغل «النهيب»! بينما كان بإمكاننا التخطيط لما نريد لنكون في مأمن من كل ذلك.
في البيت مثلاً، كثير من الأمهات لا يقمن بتعليم أبنائهن مبادئ التخطيط، ليس لحياتهم المستقبلية فحسب، ولكن حتى في ما يخص صحوتهم كل صباح للذهاب إلى مدارسهم بأعصاب هادئة، من دون ضغط نفسي عليهم، وعلى من سيقوم بتوصيلهم لمدارسهم (وبالتالي سلامتهم على الطريق)، بل على نفسيات والديهم! بحسبة بسيطة، تتمكن الأم من أن تعرف أنه ليصل أبناؤها لمدارسهم قبل السابعة صباحاً، فلا بد من أن يتركوا المنزل في السادسة والنصف صباحاً! ولكي يستطيعوا أن يخرجوا السادسة والنصف، يجب ان يستيقظوا قبلها بساعة (أي الساعة الخامسة والنصف)، ليغتسلوا ويلبسوا ويفطروا ويتبادلوا أطراف الحديث لبضع دقائق مع والديهم، ليكتسبوا نوعاً من الراحة النفسية والثقة بالنفس! وليستطيعوا أن يستيقظوا الخامسة والنصف وهم مرتاحون، يجب أن يناموا 8 ساعات على الأقل، أي أن يغفوا في فراشهم منذ الساعة التاسعة والنصف مساء! ولكي يتمكنوا من النوم في هذا الوقت، يجب أن ينهوا عشاءهم قبلها بساعة، أي الثامنة والنصف مساء، أي أن ينهوا دراستهم ولعبهم ومشاهدتهم للتلفزيون وجميع أمورهم الأخرى قبل الثامنة والنصف مساء! وهذا لا ينطبق فقط على الطلاب، بل ينطبق، وبنوع من الاختلاف البسيط، على الموظفين والموظفات الذين يتسابقون كل صباح للحاق بوظائفهم، بينما كان بإمكانهم التخطيط للخروج مبكرين ولو بعشر دقائق.
فكم أماً فكرت بهذه الطريقة من التخطيط؟ وكم أماً أصلاً تعرف وتستطيع أن تفرض على أطفالها هذا النظام الذي سيرفع من مستوى التنظيم والتخطيط للمجتمع بأسره؟ أليست الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق؟ وهل هناك «تخطيط» لإعداد الأمهات حتى ولو من باب تثقيفهن في معاهد خاصة لذلك! تماماً مثل معاهد إعداد القادة! خصوصاً أن كثيراً من الأمهات لهن القيادة في بيوتهن في ما يخص علاقاتهن بأزواجهن، أما في ما يخص علاقاتهن بأبنائهن، فهن مجرد اتباع لرغبات «حبايب القلب»؟
لذلك تجد الكثير من الأشخاص لا يأبهون بوقتك وبمواعيدك وتجدهم يصرون عليك بالمكوث معهم في جلسة سمر، أو الذهاب معهم لمشوار هنا وهناك، ويتسببون كثيراً في إحراجك والتأثير في كثير من «مخططاتك»، ليس كرهاً لك، وليس استهتاراً بمصالحك! لا، أبداً، فكثير من هؤلاء يحبونك ويتمنون قضاء أطول وقت برفقتك، لكنهم يجهلون مبدأ مهماً جداً، يفتقده مجتمعهم... ألا وهو «التخطيط»!