الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علما ووسع كل شيء حفظا ، يا من هو المحيط الجامع والنور الساطع ، لك الملك ولك الحمد حمدا كثيرا متواترا ونسبحك تسبيحا يليق بجلال سبحات وجهك الكريم واسمك العظيم ، وصلوات منك ربي ورحمة لحبيبك ومصطفاك .
هذه الفصول العظيمة في الخلق كانت وفق ترتيب وغاية محكمة ، و اتقان بديع بدأت بفتق السماوات بعناصرها ومكوناتها ، وما أودع سبحانه وتعالى بعلمه وحكمته في المادة المخلوقة بتفاعلاتها وطاقاتها وقواها وأسرارها الخفية .
وهذه المادة المخلوقة أخذت مكانها في هذا الكون بدقة مدهشة وفق تراتبية بديعة ومتقنة ، لتتفاعل مع عناصر أخرى لتنزل الى الأرض في مرحلة من مراحل خلق الحياة على الأرض ..
وهذه الحقيقة التي لا يعرفها الكثير هي أن الأرض كانت بوجود السماوات فسبحان الخالق ، فالعناصر الضرورية والموجدة للحياة والتي مهدت لظهور الانسان كلها صهرت في بواطن النجوم
وأنزلها الله تعالى بعلمه الى الأرض وفق ترتيب بديع كما تبينه آيات عديدة ..وأنزلنا الحديد الآية ...وأنزلنا من السماء ماءا ..الآية...وهذه الذرة وما دونها والتي تعتبر البذرة والنواة في هذا الخلق البديع والعظيم وهي بتفاعلاتها الطاقية وأسرارها المدهشة لتعد آية محكمة والله تعالى هو المتحكم في أسرارها والممسك لها والقادر أن يغير من صفاتها ويبدلها الى نشأة أخرى فيما لا نعلم .
والكون بأسراره ومجاهله وما يشمله من عجائب لم يخلق عبثا ، بل خلق بالحق والأجل المسمى وفيه ما يبدل هذه النشأة في الخلق الى نشأة أخرى ، أقلها شأنا ما يعرف بالحفر السوداء الموزعة في الكون باحكام وهي توجد في قلب كل مجرة ..الجوار الكنس ..الآية .. والغريب في الأمر اخوة الايمان أن الغرب بعلمائه يتسائل باستغراب عن حجم هذا الكون الهائل وما تكون حقيقته ؟ ويخوضون في خباياه بغير علم ولا هدى وأشكل عليهم الأمر وتملكهم الغرور ..
ويا ليتهم علموا ما يحدث للمادة عندما تجذبها هذه الحفر السوداء أو كما يسميها البعض مقابر للنجوم حيث تتغير صفاتها الى خلق آخر ولكل شيء أجل وهذه المادة المخلوقة أجلها مودع في ثنايا السماوات باحكام ، وكل ما في الكون يعرف مسبقا انه مسخر ويسير لغاية حكيمة، فانشقاق السماء ما هو الا شكل من تحطيم القوى التركيبية للالكترونات الذرية ، فيوم تطوى السماء لتتبدل الى خلق آخر فتبن على أسس أخرى مغايرة لما نعرف ، فسبحان من خلق السماوات والأرض بالحق والأجل المسمى، و خلق السماوات والأرض آية من آيات الله عز وجل
واذا تأملنا المنهج الغربي في دراسة وتفسير معادلة الكون سنجدها تبدأ من الفيزياء والبحث في الجسيمات الأساسية للمادة، ولقد تعددت نظريات وفرضيات الفيزيائيين منطلقين من مبادئ واسس الميكانيك الكوانتية في نطاق المادة الجدلية ووضعوا دراسة لطيف الكتلات وصنفوا التفاعلات لجزيئات عناصر الذرة في أقصى تركيباتها والنتائج المحصلة في نظرية ميكانيكا الكم جعلت الفهم بأخذ بعدا آخر في المراقبة والقيام بتجارب في مكونات الذرة.
وعندما نتأمل هذا الوجود من حولنا نحس أن هناك تناغما بين ما يكوننا وطبيعة هذا الخلق العظيم بعظمة الله عز وجل وكلما كان هذا التناغم أكبر الا واشرقت أسرار وراء هذه الطبيعة وأصبح الوجود أكثر رونقا في النفس ، وأطلت تباشير يوم موعود ، ورفرف الحنين والشوق واستنشق تسابيح رنامة من صبح موعده قريب ، ويطير الحنين والشوق الى ما هو أرحب ويلمس نورا رسمته حجب العزة في سرادقات ملك عظيم ، فسبحان الله الذي لا الاه الا هو عالم الغيب والشهادة الرحمان الرحيم ، لا يعجزه شيء سبحانه وتعالى في الأرض ولا في السماء ، العقول لا تدركه والقلوب تفقهه لأنها موصولة بعالم الملكوت.
يقول الله عز وعلا في محكم كتابه ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) الآية
فالمادة المخلوقة لا تفسر الا بالعلم ومعادلات رياضية دقيقة وعميقة ولكن الانسان لا يستطيع تفسير أعماق بنياتها وأسسها الراسخة الا ما يظهر من تفاعلاتها المسطرة بعناية في هذا الكون الفسيح ..
لقد ظن الغرب بكل غرور أنه أدرك كل شيء وأنه على مشارف الحقيقة واعتقد في علمه الى درجة أنه ينفي كل الحقائق التي تقربه من الله عز وجل ، وسار في متاهات ودوامات عمياء وازداد جهله وكفره ، وتعددت تخصصاتهم في كل الفروع العلمية ونحا معظمهم في أبحاثهم من منطلقات مادية واعتقدوا في علم الرسوم ونسوا أن هناك علم الخشية ، وأن هذا العلم هو القليل .
عندما تقدمت العلوم الفيزيائية أشواطا وظهرت الى الوجود نظرية ميكانيكا الكم وهي بحث عميق في أسرار الذرة ومكوناتها وجزئياتها ، وعلى أساس ذلك شيد الغرب مسرعات هائلة لادخال عنصر المراقبة لفهم أسرار الذرة وشرح ألغازها ، والغرب في شروحه يفسر دائما العقل على أساس آلية الدماغ ، وذهبت دراسات غربية في هذا المجال وتعمقت في تفسير هذا اللغز المثير وذهبت أبحاثهم الى أن لا نهاية في رصد أدق الجزئيات وهناك دائما ما دون هذه الجزئيات في عوالم لا متناهية من الصغر ، وهناك نسبية لا تدرك أبعادها ، وبعد حيرة لاحت في الأفق تصريحات لعلماء غربيين وقالوا : اذا كانت الذرة في أدنى مستوياتها لا تفهم الا بالعقل ، فان العقل يعد من الأسس المطلقة في هذا الوجود..
والذرة تعد نواة في هذا الخلق المبارك بتفاعلاتها وطاقاتها وقواها وأسرارها الخفية ، وكلما تعمق فيها الانسان ازدادت متاهاته ومجاهله ، وأدى ذلك به الى عدم الفهم والحيرة ، والذرة أسرارها المحركة مودعة باحكام في قلبها ونواتها ، ولا يستطيع الانسان أن يفهم حقائقها المطلقة ، لذا فالذرة لغزها هو النواة أو القلب وعملها المحرك والعميق لا يخصع للمراقبة أو الدراسة ولا تفسير لذلك في المصطلحات المادية ، وهي في عمل دائب ومستمر ولها غاية ومستقر خاضع لمشيئة مهيمنة ، ومن آياتها الحكيمة وترية وترددات وطواف وسعي لجزيئياتها الغير المرئية في محيطها الذري ، وسرها وغاية غاياتها مسطر و مكنون، وهذا يؤدي بنا الى فهم أسس مغايرة وأعمق بكثير مما يتصور الغرب لهذا الخلق المبارك وفيه من الأسرار العظيمة التي تبعث على الدهشة أودعها العليم الخبير بعلمه لتكون آية من آياته المسبحة في ملكوته..