بسم الله الرحمن الرحيم واتم الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين
وبعد فقد أحببت أن أعرض عليكم أثراً من آثار سنّة الحبيب المصطفى(صلى الله عليه و سلم)
أثر الحجامة على الضغط والجملة الوعائية
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احتجموا... لا يتبيَّغ بكم الدم فيقتلكم»
رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الإنسانية حريصٌ على بني الإنسان.. رسول الرحمة الإلهية يهمه مصير الإنسان في دنياه وآخرته، لا يريد لهم الشقاء في الدنيا ولا في الآخرة، وذلك لما في قلبه من رحمة عظمى تعجز رحمة الأمهات بأبنائها عن أن تدرك ذرةً منها، فهو النبي الأمي: الذي تؤم له الخلائق ليوصلها إلى الله والذي لم يرسله تعالى رحمة بقومٍ أو أمة، بل بعثه رحمة للعالمين، يُخرج الناس من الظلمات إلى النور يستشفع بنفوسهم ويدخل بها على الله في عليين، فهو السراج المنير، يُنير لها طريقها في إقبالها على خالقها لتشهد من عظيم كماله تعالى وجليل أسمائه فتهيم حبّاً به تعالى وتعشُّقاً.. ويكون بذلك لها منه تعالى نور يُنير لها طريقها في حياتها الدنيا ترى به الحقائق فتميِّز بين الخير والشر والضار من النافع، فتعاف الشر والضار وتشغف بالخير والنافع وترى سمو نصائحه وسننه صلى الله عليه وسلم فتتبعه بما أتى من تشريعات وأوامر، إذ أنها لتدرك وترى سموَّ ما جاء به صلى الله عليه وسلم وتعاين الخير في طياته كامناً، فكيف لها أن تتحوَّل عن بيانه وإرشاده.. وإنها قد علمت ومَثُل في سويدائها حقيقة الآية الكريمة: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(سورة التوبة128) : رحمته صلى الله عليه وسلم بالعالمين، إذ يعزُّ عليه ما سيصيب المعرضين عن ربِّهم غداً إن لم يتَّبعوا دلالته ونصحه الذي أتاهم به من حضرة الله تعالى، فهم سيتعثرون ويتيهون لأنهم جاؤوا للدنيا وما ملكوا نور المصطفى الذي خوَّلهم تعالى ليروا به خيرهم فيندفعوا إليه وشرهم فيبتعدوا عنه. وبتعنتهم سيجرُّون الشقاء لنفوسهم دنيا وآخرة. ويعزُّ عليه صلى الله عليه وسلم ذلك لشدة رحمته بإخوانه في الإنسانية فيندفع جاهداً جاداً لهدايتهم حتى ولو اضطر لاستخدام السيف الذي ظاهره فيه شدة وبباطنه تمكث مياه الخير والرحمة، فالأب الراشد يحرص على خير ابنه ولو كلَّفه ذلك أن يُبدي له جانب الشدة والحزم علماً أن قلبه يفيض بالرحمة والحب عليه، فما أن يسمع ذلك المؤمن نُصح رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احتجموا... لا يتبيَّغ بكم الدم فيقتلكم»، حتى ليرى بعين بصيرته بنور المصطفى ما يجرُّه له إهمال الحجامة من أسقام لا حصر لها وما يورث تطبيقها بالجسم من دُررٍ نافعة لا يمكن التفريط بها أو الاستغناء عنها، فترى ذلك الإنسان يسارع في العمل بنصح رسول الإنسانية ويواظب على ذلك حتى يرتحل من هذه الحياة.. وخصوصاً أنه يرى بعثته لهذه الدنيا، إنما من أجل الأعمال، أعمال الخير والإحسان تلك التي جعلها لك تعالى رأس مالٍ(1) أبدي للجنان، جنان الخلد والنعيم المقيم، ويرى أن جسمه هو الواسطة لكسب هذه الأعمال فكيف له أن يهمل صحته، وكيف له أن يهجر السلاح الذي أهداه إيّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدافع به عن جسمه ونفسه ضد الأمراض.. فما الوقاية من تبيغ الدم إلاَّ بالحجامة.
والتبيُّغ: هو التهيُّج والزيادة والطغيان، من بغى يبغي ومنها يتبيَّغ، وفي لسان العرب: تبيَّغ به الدم، أي هاج به. وهذا يحدث أكثر ما يحدث في ارتفاع التوتر الشرياني ، كما أنه يحدث في فرط الكريات الحمر الحقيقي، ومن الأعراض المشاهدة في فرط التوتر الشرياني وفي فرط الحمر الحقيقي يُذْكَر الصداع وحس الامتلاء بالرأس والدوار وسرعة الانفعال واضطرابات بصرية.
فارتفاع التوتر الشرياني الذي ما تزال أسبابه العديدة غير معلومة، وإلى الآن تبقى علاجاته عامة غير سببية، لا يزال هذا المرض يلقى أهمية كبرى في الأوساط الطبية لانتشاره الواسع ومضاعفاته الخطيرة، فهو يسرِّع حدوث التصلب العصيدي، وهذا الأخير كما علمنا من قبل يؤهب لحدوث إصابات في الشرايين الإكليلية والحوادث الوعائية الدماغية والقصور الكلوي وأمراض الأوعية المحيطية ويحدث ثخناً وانسداداً في لمعة الشرايين الصغيرة وقد يحدث أمهات دم صغيرة في الأوعية الدماغية الثاقبة، ويؤهب لاسترخاء القلب وقد يتحول إلى ارتفاع ضغط خبيث مميت، وهذا الأخير يميت صاحبه على حدٍّ أقصى خلال سنتين.
ثم إن ارتفاع نسبة الكريات الحمراء في الدم (فرط حقيقي) يؤدي لخثار شرياني حاد، إذ تحصل أعراض القصور الشرياني للعضو المصاب.. فإن أصيب الشريان السباتي حصلت أعراض قصور التروية الدماغية وإن أصيبت الشرايين الإكليلية نتجت أعراض الذبحة الصدرية والاحتشاءات القلبية.
وعلى كل حال ومما لا يجب تناسيه أن ارتفاع التوتر الشرياني يقود لتصلب شرايين عصيدي Arteriosclerosis والثاني يقود للأول وكلاهما إضافة لاحمرار الدم الحقيقي يقود لتشكيل الجلطات الدموية، إذ يؤدي وجود تلك المسببات لارتصاص الكريات الحمراء وتراكمها مع عدد كبير من الصفيحات الدموية وغيرها مثل الألياف لتشكل الخثرة الدموية وخاصة عند تفرعات الأوعية الدموية (الشرايين) وما حقيقة هذه الجلطة الدموية إلاَّ بوغة دموية Spore وتنطوي تحت حديثه صلى الله عليه وسلم: «لا يتبيَّغ الدم...». فرسول الله صلى الله عليه وسلم نظرته نافذة تطوي الأزمنة.. ليتكلَّم صلى الله عليه وسلم منذ أكثر من 1400 سنة عن مبدأ الجلطة الدموية بشكلها وآليتها ومسبباتها ويعطي الحل العظيم للوقاية والعلاج الذي لا بد للإنسانية من الرجوع إليه كي يجنوا ثماره الثمينة الفائدة، ويتجنبوا أخطاراً لا حصر لها، إذ كل داء سببه غلبة الدم تلك الموازية لتبيغه، فما نقص التروية الناتج عن تصلب الشرايين العصيدي إلاَّ المسؤول الأول عن قصور وظائف أعضاء الجسم وخصوصاً في مرحلة الشيخوخة.. زِد إن اقترن بتزايدٍ في عدد الكريات الحمراء الهرمة غير العاملة الذي يجعل جريان التيار الدموي بطيئاً ويرفع من مستوى خطورة التخثر داخل الأوعيةالمصدر : كتاب الدواء العجيب للعلامة محمد أمين شيخو